أخذت الدراسات المتعلقة بأسباب الشيخوخة وأساليب معالجتها طريقها إلى التطور أخيراً بما يُنبئ بإمكان التوصل إلى حلم العيش في مراحل العمر المتقدمة مع الاحتفاظ بمظاهر الشباب، فالحالة الصحية الجيدة والنشاط والحيوية التي نتمتع بها في سنوات شبابنا، لا تظل على حالتها طبعاً، مع تقدمنا في السن؛ لكن هذا لا يعني أنه لا يمكننا الحفاظ على قدر كبير منها طوال العمر.
ففي الدول المتقدمة نتيجة لتحسن الوضع المعيشي في هذه البلدان وتطور الخدمات الصحية، واكتشاف العلاج الأمثل لأغلب الأمراض التي كانت سبباً في وفاة كثير من الناس في الماضي، ومنها مرض السل، ومرض السكري وارتفاع ضغط الدم ومضاعفاته التي تنجم عنها كالجلطة القلبية والشلل النصفي، هذا كله ساهم في إطالة الأعمار إلى حد كبير.
* أسباب الشيخوخة
هناك مجموعة من العوامل التي تسبب الشيخوخة، نذكرها فيما يلي:
عوامل وراثية لها علاقة ببنية الخلية الأساسية في جسم الإنسان، وزيادة نسبة الموت فيها، بالإضافة إلى عدم قيامها بوظائفها على أتم وجه، كما أنه يوجد بعض المجموعات البشرية التي تتصف بطول العمر مع تمام الصحة.
تدهور المناعة في جسم الإنسان، وعلم المناعة الحديث يُعزى ذلك إلى إختلالات متتالية تصيب الحمض النووي مع التقدم في السن تنتج منها تعديلات على السيرة الذاتية للخلية، تكون مصحوبة بتغيرات مهمة في الوظيفة البروتينية.
سوء التغذية: فالتغذية تعتبر من أهم العوامل التي تقرر مدى قدرة الإنسان على تحمل وطأة الشيخوخة والتقليل من آثارها قدر الإمكان.
الجذور الحرة: هي عبارة عن جزيئات صغيرة غير مستقرة تتولد من الأوكسجين تعمل على مهاجمة الخلايا.
تلعب الهرمونات دوراً في التسبب في الشيخوخة مع التقدم في العمر، إذ تتضاءل بعض الستيروئيدات العصبية في بعض مناطق المخ (في الحصين)، إذ إنّ هذه البنية الدفاعية تؤدي دوراً مهماً على مستوى الذاكرة.
* الوقاية
هناك الآن مقولة علمية يتبناها العلماء، وهي: أن نأكل أقل وأن نتحرك أكثر ونفكر أكثر. أما التفاصيل التي تحول هذه المقولة إلى واقع، فيمكن إيجازها في التالي:
التغذية المتوازنة تعتبر من أهم العوامل للتقليل من آثار الشيخوخة: وذلك بالإكثار من الألياف الطبيعية القليلة السعرات الحرارية وقليلة الكوليسترول، والتي تحتوي على فيتامينات مهمة لبناء جسم الانسان. والغذاء المحتوي على البروتينات المهمة مثل اللحوم والأسماك وعسل النحل بحيث تعطي الجسم الطاقة والنشاط الكافيين لأداء وظائفه الحيوية، وتناول أقل قدر من الأطعمة الغنية بالدهون المشبعة والسكر المضاف، وكمية أكبر من الفواكه والخضراوات والفاكهة الطازجة والإكثار من المأكولات البحرية وتناول الشوكولا والنسكافيه والشاي الأخضر، ومحاولة التنوع في الطعام وعدم التركيز على نوع واحد، والابتعاد قدر الإمكان عن الأطعمة الجاهزة والمعلبة، وذلك للحماية من الأمراض القلبية والوعائية والسرطانات المتعددة وتناول فيتامين (سي) المضاد للأكسدة الذي له القدرة على عبور الحاجز الدموي المخي، ويوجد بتركيز عالٍ في أنسجة المخ.
المحافظة على اللياقة البدنية والنوم الصحي الجيد واعتياد ممارسة رياضة المشي قدر الإمكان، وتأثير النشاط البدني الممارس في سن متقدمة للحماية من مخاطر سرطانات الثدي والقولون، والحفاظ على الكثافة العظمية والوقاية من الأمراض القلبية الوعائية، والحد من اضمحلال العضلات المرتبطة بالشيخوخة ومن سرطان البروستات وبطانة الرحم.
وحسب امتصاص الاستقلاب الخلوي، فإنّ نشاط الجينات الرئيسية المرتبطة بالاستقلاب ينطلق من جديد عند الأشخاص المسنين الذين يتبعون برنامجاً تدريبياً، وهناك رابط بين ممارسة الرياضة خلال بضعة أسابيع وتولد عصبونات جديدة في منطقة تقع تحت الحصين في الدماغ، ويؤدي النشاط البدني إلى إبطاء إيقاع شيخوخة العضلة والعظم والقلب والدماغ؛ ولكن هل يمكن القول إنه يطيل مدة الحياة الإجمالية؟ وللإجابة عن السؤال نقول إنّ المؤكد هو أنّ النشاط البدني المنظم يحسن حالة الحياة ويتيح شيخوخة أفضل.
فالمعروف أنّ الرياضة تنمّي في الإنسان إحساساً ذاتياً بالصحة الجيدة وتخفف التوتر العصبي والانفعالات النفسية. كما أنها تنقذ من شيخوخة العقل فتنشط الذاكرة والعمليات العقلية تعد من الأمور المهمة في حياة الإنسان.
التنشيط المستمر للدماغ عن طريق القراءة واسترجاع الذكريات والخوض في الأحاديث الدقيقة التي تحتاج إلى زاد معرفي غزير والإكثار من زيارة الأماكن والمدن وذلك بكسب بضع سنوات أو حتى بضعة عقود قبل بروز بعض الأعراض كانحطاط القدرات المعرفية وانحلال العضلات والسرطان أو الأمراض القلبية الوعائية. وقد كشفت تطورات علم الوراثة أنه قد يكون التفكير بشكل أكثر من خلال المرور في مواقف وأوضاع متباينة طوال الحياة تأثير على الـ DNA وعلى تعبير جيناتنا التي تتحكم بتخليق وصلات بين العصبونات (الخلايا العصبية).
وحسب أطباء أعصاب أمريكيين في عرض جرى في أبريل 2007، بعد رصد للتحولات المدهشة التي طرأت على الـ DNA القائم في العصبونات، عقب برنامج تدريب معرفي مكثف، تبين أنّ ممارسة نشاطات جديدة يمكن أن توقظ جينات كان من المعتقد أنها نائمة متيحة التكيف لبنية الدماغ.
وتثبت الدراسات أنّ التوقد الذهني يبقى قوياً عند مَن تلقى تعليماً عالياً أو عاش حياة غنية بالإثارة أو معقدة وتزوج من رفيق أو رفيقة ذكية.
أمّا المتشبثون برتابة حياتهم وغير المنشرحين بمنجزاتهم، فيعانون درجة كبيرة من فقدان التوقد الذهني.
وقد شاع أنّ الدماغ يفقد 000ر100 خلية عصبية يومياً، وهكذا تضمحل الذكريات والمعلومات؛ لكن علم اليوم يثبت غير ذلك، صحيح أنّ الدماغ يفقد بعض خلاياه؛ لكن نوع الخلايا التي يفقدها لا تختزن المعلومات، ذلك أنّ من أوجه الشبه بين الدماغ والكمبيوتر هو ما يسميه المهندسون الآليات والمعلومات، يخسر الدماغ بعض الوصلات والمفاتيح؛ لكن المعلومات تبقى، لا بل يكون الكبير أغنى بكثير بمعلوماته من الصغير، والفرق بينهما حاجته إلى وقت أطول ليسترجعها، أي أنّ الذكاء على حاله؛ لكن إظهاره أبطأ.
وأخيراً..
فإنّ الإنسان يبقى حالة فريدة في قدرته على التكيف والتغيير مهما تقدمت به سنوات العمر، فالشباب والشيخوخة هما في الواقع لا يرتبطان دائماً بعدد معين من السنوات، بل بحالة ذهنية نفسية وبرغبة متواصلة في اكتشاف الحياة وتعلمها وممارستها، فبقدر ما تُعطي بقدر ما تواجه خوف العمر وقلق النهاية، وبقدر ما تتشبث أنت بالحياة تتشبث الحياة بك.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق